بواسطة/ شيرين ماهر
بتاريخ : 20 فبراير 2022
مصدر الصورة: موقع فصلة دوت كوم
لطالما لعبت السينما دوراً بارزاً كأحد أهم أدوات القوة الناعمة المصرية، إذ نمتلك
إرثاً سينمائياً زاخراً بالروائع التي يقف خلفها فريق كامل من المبدعين.. لا
يمكننا أن ننسى كلاسيكيات السينما المصرية ورموز العصر الذهبي لصناعة السينما، حيث
كان الفن نافذة إبداعية سخية تحتضن كل الموهوبين على اختلاف جنسياتهم.. لا أحد يصدق
أن الفنان "إستيفان روستي" أو "عبد السلام النابولسي" أحدهما
إيطالي والأخر لبناني.. من يصدق أن الفنان "فريد شوقي" من أصول تركية والفنان
"نجيب الريحاني" من أصل عراقي. في النهاية تَشرب كل هؤلاء المبدعون بالروح
المصرية ليصبح كل من وطئت أقدامه أرض المحروسة مصري الهوى، وجزء لا يتجزأ من الهوية
الفنية المصرية.
أيقونات فنية لا يعرفها كثيرون
أغلبنا يعرف أهم الممثلين الذين أثروا صناعة السينما المصرية، من غير المصريين.. ولكن قليلون من يعرفون أسماء الذين وقفوا خلف
الكاميرات وكانت لهم أدواراً بارزة في تطوير صناعة السينما المصرية في عصرها
الذهبي. هؤلاء الجنود المجهولة تستحق توقفات أكثر قرباً مع أهم الأعمال التي
قدموها لخزانة السينما المصرية، لإزاحة الستار عن عوامل التفرد التي ميزت منتجهم
الفني وكيف أمكنهم الاتساق مع الروح
المصرية في تقديم أعمالهم بصورة لافتة فاجأت الكثيرين عند معرفة أنهم ليسوا
مصريين.
الطاقم الذى يقف خلف الكاميرات، كفريق الإنتاج والإخراج والتصوير والموسيقي
التصويرية والإضاءة والمونتاج وغيرهم من فريق إعداد العمل الفني، لا يقلون في ألقهم
وتفردهم عن الأبطال والممثلين الذين يقفون أمام الكاميرات وظلوا عالقين في ذاكرة
الجمهور حتى الأن. ومن ثمة، وجب التعريف بهم وبدورهم في تطوير
صناعة السينما في مصر باعتبارهم وقفوا بإخلاص
خلف نجاح أهم كلاسيكيات السينما المصرية وساهموا بقوة في تشكيل مسيرة صناعة
السينما في مصر. لكنهم لم ينالوا قسطاً كافياً
من الأضواء؛ ليعرفهم الجماهير.
أجانب .. ولكن !!
المنتجة اللبنانية الشهيرة "أسيا داغر"، لقبت باسم "عمدة المنتجين" لكونها
إحدى رائدات السينما المصرية، وأنتجت أفلاماً هامة؛ مثل "رد قلبي، أمير الانتقام،
حياة أو موت". ونالت عنها العديد من الجوائز والأوسمة. من شدة ولعها بالسينما
أسست شركة "لوتس فيلم" للإنتاج السينمائي. وكانت لها تجاربها الضخمة في
الإنتاج؛ من بينها فيلم "الناصر صلاح الدين" الذي رهنت منزلها وسيارتها
لتغطية تكاليفه. وقد تم اختياره ضمن قائمة أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية بحسب
استفتاء النقاد عام 1996. استغرق إعداد الفيلم نحو 5 أعوام وتكلف ما يزيد عن
200 ألف جنية، إلا أنه لم يجنِ إيرادات تغطي نفقاته، الأمر الذي عرض
"داغر" لخسائر مادية فادحة ودفعها للاستدانة. لكنها حصدت، من خلاله، العديد
من الجوائز، فضلاً عن قيام وزارة الثقافة المصرية بدفع 3 آلاف جنية لها
كـ "مساهمة" في تعويض خسائرها.
الموسيقار اليوناني الشهير "أندريا رايدر"، الذي منحه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر "الجنسية المصرية". كما تم اختياره في الاحتفال بمئوية السينما المصرية كـ "أحسن" مؤلف موسيقى تصويرية في تاريخ السينما. هو صاحب الموسيقي التصويرية لأفلام محفورة في الوجدان المصري؛ مثل "دعاء الكروان"، "المراهقات"، "بين الأطلال"، "الحب الكبير"، "نهر الحب".. من يستمع إلى موسيقى "رايدر" يجدها تتهجى شذرات الروح المصرية بعناية فائقة. تلك الموسيقى الدفينة القادمة من نجوع البادية يمزجها شجن و أنين الكروان في رائعة الدكتور طه حسين "دعاء الكروان".. نعومة القيثارة تُدثرها عذوبة البيانو في رائعة "نهر الحب".. هذيان الموسيقي يتدلى بصوت اللوعة في فيلم "بين الأطلال".. كل هذا الجمال والعمق أفرزته قريحة "رايدر" الفريدة، لتظل موسيقاه راسخة في آذاننا على مدار عقود وعقود.
"رايدر.. ملك الكلاسيكيات"
المخرج "توجو مزراحي" الذي ينتمي إلى أسرة يهودية من أصل إيطالي. وهو يعد أشهر ثاني شخصية
يهودية في تاريخ السينما المصرية.."مزراحي" فنان شامل مارس كل أشكال الفنون
السينمائية من تمثيل وإنتاج وإخراج وكتابة سيناريو. درس وتعلم صناعة السينما في باريس،
ثم قرر العودة إلى مصر ناقلاً خبرته السينمائية إلى مدينة الإسكندرية الجميلة. قام بإنشاء أول استوديو سينمائي خاص به لإنتاج الأفلام الروائية الطويلة، فضلاً
عن كونه أحد مؤسسي نقابة السينمائيين المصريين. كذلك كان له فضل اكتشاف العديد من المواهب التي
أصبحت أيقونات السينما المصرية. حزن بشدة لهزيمة الجيش المصري في حرب 1948 ورفض أن يعود إلى إسرائيل. ومع ذلك طاردته اتهامات بالولاء للصهيونية واضطر إلى مغادرة مصر، ليستقر في إيطاليا حتى وافته المنية.
مدير التصوير الإيطالي "ألفيزى أورفانيللي" وهو أحد رواد التصوير السينمائي الذي بدأ
عمله كـ "صبي" في "سينما فون عزيز" بالإسكندرية، ليصبح فيما
بعد صاحب الفضل في نجاح أفلام كان مدير تصويرها، وهى من علامات السينما المصرية. أنشأ
"ألفيزي" ستوديو وعمل مع الشقيقين عبد الحليم ومحمود نصر، وقد انصب نشاط
الاستوديو على التصوير والمونتاج والتحميض. استطاع "ألفيزي" الخروج من دائرة الأفلام التسجيلية إلى الروائية
الطويلة. كما قام بتصوير عدد من الأفلام الهامة مثل "حسن
ونعيمة"، "موعد مع المجهول". ولكن تجلت عبقريته الفنية في تصوير
فيلم "باب الحديد" عام 1958.
المخرج المسرحي "يعقوب صنوع" وهو ابن لعائلة يهودية عاشت في حي "باب الشعرية" في القاهرة القديمة، والده إيطالي وأمه مصرية. "صنوع" هو أول من أقام مسرح في مصر عام 1870 ويعد الرائد الأول للمسرح العربي في مصر، حيث أطلق عليه الخديوي إسماعيل لقب "موليير مصر". وكان له فضل ظهور العنصر النسائي لأول مرة في الشرق ضمن فرقته المسرحية. لقد كان "صنوع" توليفة فنية وعقائدية لافتة للانتباه، فقد قرأ الإنجيل والتوراة والقرآن ، فهو اليهودي الذي تربي في مسجد الشعراني وأجاد العربية والانجليزية والعبرية، وأتم حفظ القرآن وهو في الثالثة عشرة من عمره. قضي سنوات من عمره في إيطاليا، تلقى خلالها الكثير من العلوم والفنون وشاهد الكثير من العروض المسرحية، ثم عاد إلى القاهرة مسلحاً بالمعارف الجديدة.
والواقع من يتأمل بدايات السينما المصرية وحتى قرابة مائة عام من عمرها، يجد أن الأجانب لعبوا دوراً أساسياً في هذه الصناعة، كان محفزاً بقوة على نشأة صناعة سينمائية وطنية مصرية، قادها في ذلك الوقت استوديو مصر وشركاه، الذي حوى بين كوادره الفنية العديد من السينمائيين الأجانب آنذاك.
شاركونا تعليقاتكم وآرائكم حول الأجانب الذين ساهموا في ازدهار صناعة السينما المصرية، خصوصاً من لا يعرفهم الجمهور وغابوا عن الأضواء.
روابط ذات صلة :
يعقوب صنوع .. رائد المسرح العربي
نبيهة لطفي.. مخرجة اللحظات الصادقة